لا شك أن عادة شرب اللبن الحليب خاصة قبيل موعد الفراش والتي ارتبط بها جميع الأطفال تعتبر من أكثر العادات الصحية التي يكتسبها الإنسان من فترة الطفولة. وعلى الرغم من أن تجربة تناول كوب الحليب ارتبطت في أذهان كثير من الأطفال بخبرات سيئة إلا أن فوائد تناول الحليب متعددة جدا وقد يكون إصرار الأمهات على تناول أولادهن الحليب بما يشبه الإلزام هو الأمر الذي يجعل الطفل يعزف عن شرب الحليب.
هناك أيضا تساؤلات دائمة من الأمهات عن الكمية المطلوبة للحفاظ على حياة صحية للطفل والاستفادة من العناصر الغذائية الموجودة في كوب الحليب، وتحرص معظم الأمهات على أن يتناول الطفل كثيرا من أكواب الحليب بشكل مفرط، ظنا أنه كلما زادت كمية الحليب المقدمة للطفل زادت الفائدة بالضرورة. ولكن هذا الاعتقاد ليس صحيحا تماما من الناحية الطبية ولا ينطبق على كل الأعمار. وأشارت أحدث دراسة علمية تناولت المقدار الذي يجب أن يتناوله الطفل من الحليب، إلى أن الأطفال يكفيهم تناول كوبين فقط من الحليب يوميا للحفاظ على حياة صحية سليمة للأطفال حتى عمر الخامسة.
وكانت هذه الدراسة قد نشرت في النسخة الإلكترونية من مجلة طب الأطفال the journal Pediatrics في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي قام بها فريق من أطباء مستشفى سان مايكل بولاية تورنتو الكندية St. Michael›s Hospital in Toronto.
* مقدار الحليب
* وأظهرت الدراسة للآباء أن كوبين من الحليب يحتويان على الكمية المطلوبة من فيتامين «دي» والحديد، اللذان يعتبران من أهم العناصر الغذائية الموجودة في الحليب نظرا لأن هذا الفيتامين مسؤول عن استفادة الجسم بالكالسيوم للحفاظ على العظام، بينما يحمي الحديد الجسم من الأنيميا وهو ضروري للأعصاب والقدرة الإدراكية. وتجيب هذه الدراسة على السؤال الجدلي بين الآباء والأطباء على حد سواء للكمية اللازمة من الحليب دون أعراض جانبية للأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة. وكانت الدراسة التي تم إجراؤها على 1300 طفل تتراوح أعمارهم بين عامين وخمس سنوات لدراسة تأثير تناول لبن الأبقار على مخزون الجسم من الحديد وفيتامين «دي»، قد أظهرت أن الأطفال الذين يتناولون حليب أبقار أكثر يتمتعون بكميات كبيرة من فيتامين «دي» وكميات أقل من الحديد. وحددت القدر الكافي بكوبين من الحليب لأنه في حالة الزيادة سوف يساعد في تقليل مخزون الجسم من الحديد (زيادة الكالسيوم تتعارض مع الامتصاص الجيد للحديد) فضلا عن عدم الاستفادة من القدر الزائد من فيتامين «دي». وأجريت الدراسة في الفترة من عام 2008 وإلى عام 2010 على أطفال أصحاء في الزيارات الروتينية لأطباء الأطفال وتم عمل استبيان للآباء على سلوك أطفالهم الغذائي وعاداتهم في تناول الحليب، وإمكانية تأثير ذلك على مخزون الجسم من الحديد وفيتامين «دي»، وأيضا تم أخذ عينات من الدم من الأطفال لقياس نسبة الحديد وفيتامين «دي» بالجسم. وكانت هذه الدراسة قد تمت من خلال برنامج يسمى الهدف TARGET ومن خلال تعاون أطباء وباحثين من مستشفى سان مايكل، ويهدف هذا البرنامج إلى الحفاظ على الرعاية الصحية والتغذية السليمة للأطفال من لحظة الولادة وحتى نهاية الطفولة، وذلك للحيلولة دون حدوث مشاكل في التغذية والتي يمتد أثرها إلى مرحلة البلوغ.
وأشارت الدراسة إلى أن الأطفال الذين يحتاجون إلى المزيد من فيتامين «دي»، مثل الأطفال ذوي البشرة الداكنة التي لا تقوم بتصنيع فيتامين «دي» بالقدر الكافي خاصة في فصل الشتاء، لا يحتاجون إلى شرب المزيد من الحليب لتعويض نقص فيتامين «دي» ولكن يمكن تناولهم الفيتامين كعقار بدلا من شرب الحليب.
* عناصر غذائية
* والمعروف أن كوب الحليب يحتوى على كثير من العناصر الغذائية التي يمكن أن تجعل منه وجبة متكاملة ويحمل كثيرا من الفوائد للجسم، فمثلا يحتوى كوب الحليب المقدر (240 غراما) أو ما يوازي كوبا للشراب على نحو 8 غم من البروتين ونحو 300 ملجغ من الكالسيوم، ويعتبر من أهم المصادر التي تحتوى على الكالسيوم، إذ يحتوي على نحو 73 في المائة من الكالسيوم الذي يتم تناوله عبر الطعام فضلا عن امتصاصه الجيد عن طريق الحليب أكثر منه عن طريق الخضراوات. وكذلك يحتوي على كميات قليلة من فيتامين «إيه» وفيتامين «بي 12» (B12) والبوتاسيوم.
ويحمل الحليب كثيرا من الفوائد للجسم مثل رفع معدلات المناعة في الجسم ويحمي من كثير من المشاكل الصحية لاحقا في البلوغ مثل الوقاية من ارتفاع ضغط الدم ومشاكل الجهاز التنفسي وتسوس الأسنان وحمايتها فضلا عن فائدته في الحفاظ على سلامة ونضارة الجلد وأيضا الوقاية من سرطان القولون وبجانب الدور الذي يلعبه الحليب الدافئ في الاسترخاء والتهيئة للنوم.
* توصيات طبية
* يفضل عدم إعطاء لبن الأبقار للأطفال قبل عمر عام حسب توصيات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) لأنه يفتقد لعناصر مهمة للطفل وبالنسبة للأطفال في الفئة العمرية من 9 وإلى 18 عاما يمكن تناولهم أربعة أكواب من الحليب. وفي بعض الأحيان يحجم المراهقون عن شرب الحليب خوفا منهم أنه يمكن أن يؤدي إلى البدانة لأنه يحتوي على كثير من السعرات الحرارية. والحقيقة أن هناك كثيرا من الدراسات التي أشارت إلى أنه لا توجد علاقة بين تناول الألبان وارتفاع معدلات البدانة حتى بالنسبة للألبان مكتملة الدسم وهناك بعض الدراسات تشير إلى العكس بمعنى أن الأطفال الذين يشربون الحليب يمكن أن يفقدوا جزءا من وزنهم وهو ما أشارت إليه دراسة إيطالية نشرت في عام 2005 وتم إجراؤها على أطفال المدارس في الفئة العمرية من 5 وإلى 11 عاما. ويحسن تناول الحليب النمو من خلال صحة العظام والتي تؤثر في الطول بالنسبة للأطفال. وكانت دراسة صينية سابقة نشرت في عام 2004 أجريت على فتيات المدارس وتم فيها مقارنة الفتيات اللاتي يشربن 330 غراما من الحليب يوميا بأخريات في نفس العمر لا يتناولن الحليب (كنّ في مجموعة مراقبة) لمدة عامين.
وكانت النتيجة أن الفتيات اللاتي تناولن الحليب استمتعن بزيادة بسيطة ولكن ملحوظة في تركيز الكالسيوم في العظام وزيادة كثافتها فضلا عن زيادة طفيفة في الطول عن أقرانهن وهو الأمر الذي أكدته عدة دراسات أخرى، ومنها دراسة أميركية في عام 2009 من أن الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة الذين يتناولون الحليب أكثر من أقرانهم أطول بمقدار 1 سم وذلك بعد تثبيت بقيه العوامل الأخرى مثل العمر والجنس والأصول العرقية وأيضا يحمي الحليب من خطر التعرض لهشاشة العظام لاحقا في البلوغ.
* المصدر/ الشرق الأوسط