تعتبر عملية ختان الذكور circumcision من أقدم العادات الطبية التي عرفها الإنسان، خاصة أنها ارتبطت بروابط دينية جعلت من ممارستها أمرا روتينيا وضرورة طبية محسومة؛ ولكن في السنوات الأخيرة ساد جدل كبير حول أهمية هذا الإجراء في الأوساط الطبية الغربية، إذ بدأ الحديث عن أن عملية الختان قد لا تحمل فوائد صحية وعلى ذلك فلا فائدة من إجرائها؛ بل واعتبرها البعض اعتداء على أجساد الذكور في بداية الحياة.
ولم تعد عادة الختان تمارس بشكل روتيني كما كان الأمر في السابق، حيث كانت تجرى في أوقات كثيرة في نفس يوم الولادة وأصبح الأمر متروكا لاختيار الوالدين من الناحية الصحية وتبعا لتأثير الثقافة والقيم الدينية من شخص لآخر وأيضا القيم المجتمعية، حيث إن الآباء يريدون أن يكون الابن مماثلا لمعظم الذكور المحيطين به، ويتم اعتبارها بمثابة تجميل لشكل القضيب واكتمال للرجولة.
ولذلك، تختلف نسبة إجراء الختان حول العالم، فبينما تنتشر ممارستها في الشرق الأوسط والولايات المتحدة وكندا، نجد أنها أقل انتشارا في أميركا الجنوبية وآسيا ومعظم دول أوروبا.
توصيات طبية حديثة
* ولكن أحدث التوصيات الطبية التي صدرت مؤخرا من الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، التي تعتبر من أهم المرجعيات الطبية لطب الأطفال، وخلافا لتوصياتها السابقة للمرة الأولى من 13 سنة، أشارت إلى أن الفوائد الصحية لعملية الختان تفوق بشكل واضح خطورتها؛ ولكنها في الوقت نفسه لم تلزم الآباء بإجرائها بشكل روتيني وتركت الأمر لتقدير الآباء، وكانت التوصيات السابقة للأكاديمية تشير إلى أن عملية الختان غير ضرورية.
والحقيقة أن الجدل العلمي حول حتمية إجراء الختان من عدمه ما زال محتدما، والفريق الذي يرى أن عملية الختان غير ضرورية (إلا إذا كانت لضرورة دينية) يستند إلى حقيقة أن مجموع الرجال المختتنين حول العالم نحو 30% فقط، بجانب أنها تمثل عادة بدائية من وجهة نظرهم وتمثل اعتداء على جسد الطفل، فضلا عن أنها تقلل من الاستمتاع الجنسي لاحقا في البلوغ، وإن كانت هناك دراسة أفريقية تم إجراؤها على الذكور المختتنين بينت أن الختان لا يتعارض مع الاستمتاع الجنسي؛ بل من الممكن أن يحسنه.
فوائد الختان وبالنسبة للفريق المؤيد، فإنه يرى ضرورات طبية كثيرة لإجرائها أولها:
* النظافة الشخصية، إذ يمكن أن تحدث الإصابات بالتهابات الجلد سواء البكتيرية أو الفطرية المتعددة بنسبة أكثر في الرجال غير المختتنين أكثر من أقرانهم.
* تبين أيضا أن الأطفال الذكور المختتنين نادرا ما يعانون التهاب المسالك البولية (UTI)، خاصة في العام الأول من عمر الطفل (تعتبر الإصابة بالتهاب المسالك خطيرة وتستوجب الحجز في المستشفى إذا حدثت للطفل في عامه الأول)، وتبلغ فرص إصابة الطفل غير المختتن بالتهاب المسالك البولية نحو 10 مرات أكثر من الطفل المختتن؛ ولكن حتى مع زيادة فرص الإصابة نجد أن نسبة العدوى لا تتعدى الـ1% من الأطفال غير المختتنين.
* فرص الذكور المختتنين أقل من غيرهم للإصابة بمرض سرطان القضيب (نسبة حدوث سرطان القضيب نادرة الحدوث بشكل عام سواء في المختتنين أو غيرهم).
* وجدت دراسة أفريقية أن السيدات اللاتي يتزوجن رجالا مختتنين تقل فرص الإصابة بأحد الفيروسات التي تصيب عنق الرحم وهو الفيروس الحليمي البشري human papillomavirus الذي يمكن لبعض الأنواع منه لاحقا أن تكون سببا في الإصابة بسرطان عنق الرحم.
* وجدت دراسة أفريقية أخرى أن الرجال المختتنين تقل نسبة انتشار مرض الإيدز HIV إلى زوجاتهم أكثر من غيرهم، وجاءت هذه الدراسة بعد متابعة الكثير من الرجال في جنوب أفريقيا، خاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وإن كان البعض يعتقد أن هذه الدراسة لا تنطبق على كل الرجال بشكل عام وهي خاصة بسكان أفريقيا أكثر من بقية سكان العالم.
* تقل فرص التهابات القضيب والإصابة بالحكة والفطريات في الرجال المختتنين، حيث إن تنظيف القضيب أسهل كثيرا في المختتنين، خاصة الأطفال قبل عمر الخامسة.
* تقل فرص الإصابة ونقل الأمراض الجنسية sexually transmitted diseases في الرجال المختتنين عن غيرهم.
عملية الختان
* وكما هو معروف، فإن عملية الختان هي إزالة قطعة من الجلد تغلف نهاية القضيب عند الذكور، وتتم الآن بشكل جراحي، وفي بعض المناطق البعيدة عن الرعاية الطبية، خاصة في الدول الفقيرة، يتم إزالة هذه القطعة من الجلد باستخدام أية آلة حادة، وهو ما يمكن أن يتسبب في الكثير من الآثار الجانبية مثل الالتهابات والعدوى نتيجة لاستخدام أدوات غير نظيفة وعلى يد أشخاص غير مؤهلين طبيا. ولا يوجد عمر معين لإجراء الختان؛ ولكن في الأغلب يتم في الأسبوع الأول من الولادة (حيث إن دم الطفل يكون حاملا لمواد التجلط من الأم)، وأحيانا يتم إجراؤها في اليوم الأول، وإذا لم يتم إجراؤها في أول أسبوع يجب الانتظار حتى وصول الطفل عمر الشهرين حتى يكون قد بدأ تكوين مواد التجلط اللازمة لوقف النزيف.
ويستحسن إجراء عمليه الختان كلما كان عمر الرضيع صغيرا، وفي الأغلب يتم استخدام التخدير الموضعي، سواء باستخدام الحقن أو وضع طبقة بسيطة من مرهم مخدر، ويمكن أن يتم إجراؤها تحت مخدر عام إذا كان عمر الطفل كبيرا.
العناية بالطفل
* بعد عملية الختان قد يبدو رأس القضيب متورما قليلا وأحمر اللون؛ ولكن سرعان ما يختفي ويعود إلى اللون الطبيعي، ويمكن وجود بعض النقاط القليلة من الدم عند التغيير على الجرح. وتتم العناية بالقضيب وتنظيف المنطقة بالماء فقط من دون استخدام صابون لتفادي تلوث الجرح وحدوث عدوى. ويمكن وضع بيتادين كمطهر لمدة أسبوع حتى التئام الجرح.
وفى حالة وجود ضمادات من الشاش حول الجرح، يمكن أن يتم دهان فازلين طبي عند التغيير على الجرح حتى لا يلتصق الشاش بالجلد ويسبب آلاما للطفل، وفي الأغلب ييتم الالتئام خلال أسبوع.
وقد أصبحت عملية الختان عملية آمنة جدا، حيث إن أجراءها يتم في مراكز طبية متخصصة ومن خلال جراحين مختصين. وعموما، فإن مضاعفات الختان قليلة ونادرة الحدوث وغير خطيرة، وفي الأغلب يتم علاج كل هذه المضاعفات في حالة حدوثها بشكل كامل بعد الرجوع للجراح، ومن أهمها النزيف الذي يمكن أن يحدث بعد الإجراء، ويجب عرض الطفل فورا على الجراح، وكذلك يمكن حدوث عدوى نتيجة لتلوث الجرح إذا تمت العملية في مكان غير مجهز طبيا وترتفع درجة الحرارة ويكون هناك صديد حول القضيب، ويمكن أن يتم العلاج عن طريق تناول مضادات حيوية سواء عن طريق الحقن أو الفم للقضاء على الميكروب.
المصدر/ الشرق الأوسط