الفصام.. هلاوس وتوهم
الفصام هو أحد الاضطرابات النفسية المهمة التي تصيب 1% من البشر وتؤثر على الرجال والنساء في مقتبل العمر بين 18-25 سنة، ويعرف باسم الشيزوفرينيا (Schizophrenia). وتلعب عدة عوامل دورا في الإصابة بالمرض، منها الوراثة ومشاكل الحياة والتغييرات في الدماغ.
ويعتبر الفصام اضطرابا ذهانيا تتأثر فيه قدرة المريض على الاتصال بالواقع بسبب الأعراض التي تؤثر عليه ومنها الهلاوس، مثل سماع أصوات غير موجودة تتحدث عنه أو تعطيه أوامر وتهدده، ورؤية أشخاص لا وجود لهم أو أشكال أو أضواء، وقد تترافق مع هلاوس شمّية (تحاكي حاسة الشم) فتكون هناك روائح كريهة يشمها المريض ولا يشمها غيره، وتكون لأشياء معروفة مثل التراب والمسك أو غير معروفة مثل رائحة الموت أو الغدر.
وهناك هلاوس تذوقية، أي يكون فيها طعم غريب في الأكل والشراب، وهذا الطعم غالبا ما يكون للسموم والزرنيخ، وأحيانا يقول المريض إنه طعم السحر والحسد. وأكثر الهلاوس شيوعا هي السمعية.
ومن الهلاوس التي تحير المريض ومن حوله الهلاوس الحسية، وهي أن يشعر المريض بأن هناك من يلمس جسمه وأعضاءه، وأحيانا يكون الشعور بأن هناك من يجامع المريض، وقد يستخلص المريض أنه متزوج من “جنية” أو أنها متزوجة من “جني”، وقد يعلمهم بذلك أحد المشعوذين.
اعتقاد راسخ ومسيطر
والعَرَض المهم الثاني لمرض الفصام هو التوهم، ويقصد به الاعتقاد الخاطئ الراسخ المسيطر والذي لا يقبل التغيير بأي وسائل منطقية، ولا يتماشى مع الخلفيه الثقافية والعلمية والاجتماعية للمريض، وقد يكون شكل التوهم بأن هناك من يضطهده ويراقبه ويتجسس عليه ويرهبه، إما من المحيطين به أو من جهات رسمية أو شعبية أو أجهزة الأمن المحلية أو العالمية.
ويتبع ذلك التوهم الإشارة للذات، كما تكون لدى المصاب قناعة راسخة بأن كل من يضحك أو يتهامس أو يتكلم مع غيره يقصده بالسوء، وقد يصل الأمر إلى أن الإنترنت والصحف والإذاعة والتلفزيون تشير إليه ولو بصورة غير مباشرة، مما يؤكد أفكاره الاضطهادية.
ويتبع ذلك توهم العظمة التي قد تكون غير مباشرة وناتجة عن أنه يتعرض لكل هذا الاضطهاد، فالعالم كله يضطهده إذن لأنه صاحب رسالة أو متميز أو عبقري أو أنه مرسل من رب العالمين. وقد يكون هناك توهم العدم، وهو التأكيد على أن الجهاز الهضمي قد اختفى أو أن القلب قد توقف أو أنه ميت، وقد تكون أوسع من ذلك بأن العالم قد انتهى. وتوهم الذنب وفيه قناعة بأنه مذنب ذنبا كبيرا وخطيرا أثر على البشرية، أو أنه سرق أو قتل دون أي رابط وعلاقة له بالجريمة.
ومن الأعراض المزعجة أن المريض يعتقد أن أفكاره تبث للعالم، وأن كل الناس يعرفون أفكاره وكأن عقله محطة إذاعة، أو أنهم قادرون على قراءة أفكاره، أو على زراعة أفكار في دماغه، أو التحكم في أفكاره وسحبها وترك عقله فارغا، وهذه أفكار مربكة وتثير الكثير من التغييرات السلوكية والاجتماعية.
كما يعتقد المصاب بالفصام أن هناك قوة خارجية تسيطر عليه وتتحكم في تفكيره وانفعالاته وتصرفاته، وأنه مسلوب الإرادة أمام هذه القوة، وقد يحدد هذه القوة بأنها شخص أو جهة معينة، وقد لا يعرف من الذي يتحكم فيه.
إنكار المرض
ومن الملاحظ أن معظم مرضى الفصام يفتقدون البصيرة ولا يقرّون بمرضهم، مما يشكل صعوبة في قبولهم للعلاج والمتابعة، وأن اقتراح العلاج يضاف إلى الاضطهادات السابقة، وهناك مظاهر أخرى في تغيير السلوك والعزلة وإهمال النظافة وإهمال الواجبات اليومية، وقد يبدو على المريض اللامبالاة وتبلد المشاعر، وقد يشاهد من قبل الآخرين يبتسم أو يضحك بلا سبب أو يكلم نفسه وأحيانا يتمتم، وقد يختلط كلامه ويصبح غير مفهوم، وقد يبدو وكأنه جمل متفرقة يصعب الوصول إلى خلاصة منها.
ويتأثر تركيز المريض وقد يبدو مشتت الذاكرة مما يؤدي للفشل الدراسي، أو تدهور الأداء في العمل، وقد تظهر تصرفات يميل فيها المريض إلى العنف أحيانا خصوصاً إذا أهمل علاجه.
وفي الفصام المزمن قد لا تكون هذه المظاهر هي الأساس، ولكن يكون هناك ما يسمى الأعراض السلبية، مثل اللامبالاة والتبلد وعدم المشاركة وعدم الحماس، وحتى عدم الاهتمام بما يجري حوله، إذ يقضي المريض وقته لا يعمل شيئا سوى التدخين ومشاهدة التلفزيون، وأحيانا المشي في الشارع ساعات طويلة يوميا.
ويتوقف أداء المصاب في الحياة العملية والاجتماعية، فتجد الأم غير مكترثة لأطفالها ولا زوجها ولا بيتها مما قد يؤدي للطلاق، ويكثر هؤلاء المرضى من شرب القهوة والشاي بالإضافة إلى التدخين بشراهة، وقد يتعاطون مواد أخرى إذا توفرت مثل المنشطات والحشيش، مما يزيد المشكلة تعقيدا أو يؤدي لانتكاسات شديدة بين الحين والآخر، وهؤلاء المرضى تضعف قدراتهم ويبدو عليهم التراجع في فهم الأمور اليومية وحتى خبراتهم السابقة، وقد يصابون أحيانا بتقلبات المزاج. وهناك تلاق عند آخرين بين الفصام وبعض الوساوس القهرية أو الرهاب الاجتماعي والقلق.
أسباب متعددة
الأسباب التي تؤدي للفصام متعددة، ومنها الاستعداد الوراثي ومشاكل الحياة وأحداثها وضغوطها، وثم التغييرات الكيميائية في الدماغ نتيجة لذلك. وقد يبدأ المرض بشكل مفاجئ أو متدرج وبطيء على مدى شهور، وكثيرا ما يتأخر المريض في العلاج في المجتمع العربي بسبب رفض المريض والاستعانة بالمشعوذين بمختلف أشكالهم، وما يقوم به هؤلاء من ضرب وتعذيب للمريض لإخراج السحر أو الجن منه، كما قد يفارق الحياة بسبب هذا الأذى.
ثم يأتي التردد من قبل الأهل في إيصاله للطبيب النفسي ويرجح كفة عدم العلاج ممانعة المريض، والواقع أن العلاج المبكر هام وضروري لإيقاف الحالة ومنع التدهور والتأثير على ظروف الحياة، وقد يتطلب الأمر إدخال المريض المستشفى النفسي وأحيانا بصورة قسرية. وإذا كان المصاب متعاونا وهادئا فيمكن أن تتم المعالجة دون الحاجة لدخول المستشفى، وبعد التحسن لا بد من التأكيد على أن العلاج يستمر فترات طويلة وقد يكون مدى الحياة، والعلاج النفسي الفردي والعائلي والجماعي يأتي لاحقاً للعلاج الدوائي وحسب الحاجة.
وقد شهد العقدان الماضيان تطورا هائلا في العلاجات النفسية وخصوصا المضادة للذهان، مما أدى إلى تحسن النتائج في هذا المرض. ويبقى التحدي هو أن يتم الالتزام والمتابعة، وعلى أساسه تتوفر حقن عضلية طويلة المفعول لضمان استمرار العلاج وعدم إيقافه والامتناع عنه كما يحدث بالعادة.
ويتكرر السؤال من الناس عن كيفية التصرف إذا رفض المريض العلاج، وهو أمر يجب عليهم بحثه مع الطبيب المعالج حتى ولو رفض المريض المجيء إلى العيادات.
المصدر / الجزيرة نت