توصل الباحثون في مركز «بيت ديكونيس» الطبي الأميركي إلى أن تلوث الهواء، وحتى للمستويات التي تعتبر آمنة طبقا للقوانين الفيدرالية، يزيد من إمكانية الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة تصل إلى 34 في المائة.
وفي العدد الصادر من دورية «الأرشيف الطبي الباطني» في الرابع عشر من فبراير (شباط) الماضي، توصل الباحثون، الذين أجروا الدراسة على 1700 مريض في منطقة بوسطن على مدى 10 أعوام، إلى أن التعرض للمواد الملوثة الناجمة عن عوادم السيارات يزيد من احتمال الإصابة بنوبات قلبية في الأيام التي يتحول فيها مؤشر قياس العوادم بوكالة حماية البيئة من اللون الأخضر إلى الأصفر.
وركز الباحثون اهتمامهم على الدقائق الملوثة للهواء بقطر يصل إلى 2.5 ميكرون (الميكرون جزء من المليون من المتر) المسماة «دقائق 2.5 ميكرون» PM2.5. وتأتي هذه المواد من مصادر متنوعة منها محطات الطاقة والمصانع والشاحنات والمركبات وحرق الأخشاب. وتستطيع تلك المواد أن تدخل بعمق إلى الرئتين، وترتبط في دراسات أخرى بأنها تزيد من الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مثل الأزمة القلبية.
ويقول موراي ميتلمان، وهو طبيب وأحد المشاركين الرئيسيين في الدراسة وطبيب معالج بمعهد أمراض القلب والأوعية الدورية بمركز «بيت إسرائيل ديكونيس» وأستاذ مساعد بكلية الطب بجامعة هارفارد: «يمكن ملاحظة زيادة احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية خلال ساعات التعرض لتلك المواد وكونها على صلة بالتلوث الناجم عن عوادم السيارات الموجودة أو الآتية من أماكن أخرى، كما يجب وضع تأثير المستويات المنخفضة من التلوث على الصحة العامة في الاعتبار قبل القيام بأي تغييرات مقترحة في مستويات التلوث المصرح بها».
ويقول غريغوري ولينوس، وهو دكتور العلوم وأحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة وأستاذ مساعد بمادة الصحة العامة بجامعة براون: «إذا وضعنا في الاعتبار أن كل شخص يتعرض لتلوث الجو يصبح عرضة للإصابة بسكتة دماغية، فهذا يعني أن التأثير سيكون كبيرا للغاية».
وقد حلل الباحثون السجلات الطبية لأكثر من 1700 مريض لجأوا إلى المستشفى للعلاج من حالات سكتة دماغية مؤكدة في ما بين عامي 1999 و2008، وطابقوا بداية أعراض السكتات لكل مريض مع قياس المواد الملوثة للجو كل ساعة اعتمادا على ما قدمته محطة الرصد التابعة لكلية الصحة العامة بجامعة هارفارد، فأصبح بإمكان الباحثين تحديد الساعة التي ظهرت فيها الأعراض للمرة الأولى بدلا من الاعتماد على الوقت غير الدقيق المسجل لدخول المرضى بالمستشفى، كما أنها شملت فقط الجلطات المؤكدة التي شخصها أطباء أعصاب أكثر من الاعتماد على فواتير التأمين الصحي غير الواضحة.
كما سمحت قياسات هارفارد لنسبة التلوث كل ساعة على بعد 13 ميلا (21 كلم تقريبا) من منازل 90 في المائة من المرضى، بمراقبة وقت التعرض للتلوث وبداية ظهور أعراض الجلطة عن قرب. ويضيف ولينوس: «نعتقد أن الجديد في تلك الدراسة هو البيانات الدقيقة سواء عن التعرض لتلوث الهواء أو عن تشخيص الإصابة بالسكتة الدماغية».
وقد وجد الباحثون أنه قبل حدوث السكتة الدماغية بفترة تتراوح بين 12 و14 ساعة، يصل المرضى إلى ذروة الخطر جراء تعرضهم للتلوث. وقد تكون تلك المعلومة مفيدة للباحثين الذين يرغبون في معرفة كيفية تأثير المواد الملوثة بقطر يصل إلى 2.5 ميكرون على الجسم. وقد توصل الباحثون إلى وجود صلة بين أكاسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين، وهما من الملوثات المنبعثة من الحافلات، وبين احتمالات الإصابة بالجلطة، مفترضين بذلك أن التلوث المنبعث من عوادم السيارات والحافلات يمثل خطرا كبيرا.
وتعد السكتة الدماغية سببا رئيسيا من أسباب الإعاقة وتحتل المركز الثالث ضمن أهم أسباب الوفاة في الولايات المتحدة الأميركية، ويعاني نحو 795 ألف أميركي من سكتة دماغية جديدة أو متكررة سنويا، وهو ما يتسبب في وفاة أكثر من 135 ألف حالة ودخول 829 ألف حالة المستشفيات.
وعلاوة على ذلك، وجد الباحثون أن نسبة الإصابة بالسكتة الدماغية قد ارتفعت في الأيام ذات معدل التلوث المتوسط، عن الأيام التي يكون فيها الهواء نقيا، مما دفع هيئة حماية البيئة إلى تشديد لهجتها في وصف تأثير الهواء الملوث على الصحة. وقال دان كوستا، وهو رئيس البرنامج القومي لأبحاث الطاقة والهواء بمكتب أبحاث التنمية التابع للهيئة الأميركية لحماية البيئة: «قامت هيئة حماية البيئة بالاشتراك مع معهد علوم الصحة البيئية بتمويل تلك الدراسة التي زادت من إدراكنا للتلوث الجوى وتأثيره على الصحة؛ ففي عام 2009 قامت هيئة حماية الصحة بنشر تقييم علمي متكامل يظهر أن هناك علاقة سببية بين المواد الملوثة بقطر يصل إلى 2.5 ميكرون، وبين أمراض القلب والأعصاب، بما في ذلك السكتة الدماغية».
يذكر أن دراسة دكتور ولينوس وزملائه هي الأولى من نوعها التي تظهر أن السكتة الدماغية قد تحدث نتيجة التعرض لكمية من تلك المركبات الملوثة في أقل من يوم واحد. ويعتقد الباحثون أن تخفيض المواد الملوثة بقطر 2.5 ميكرون من المتر بمقدار 20 في المائة كان من شأنه أن يمنع حدوث نحو 6100 من إجمالي 184 ألف سكتة دماغية في الشمال الشرقي من الولايات المتحدة عام 2007.
– المصدر : الشرق الاوسط